الحمد لله
اختار ربنا تبارك وتعالى سورة من القرآن ليقرأها المصلي في كل ركعة من ركعات الصلاة، فلا تصح الصلاة إلا بها، واختار ربنا تبارك وتعالى نفس الصورة لتكون أول سورة في القرآن الكريم، مما يعطيك تصورا عن مكانة قاتحة الكتاب ومنزلتها وفضلها، ومن العجيب أن يبدأ ربنا تبارك وتعالى فاتحة الكتاب بعد البسملة بقوله: (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). أثنى الله سبحانه بالحمد على نفسه وافتتح كتابه بحمده، لما علم من كثره نعمه على عباده وعجزهم على القيام بواجب حمده فحمد نفسه عنهم، لتكون النعمة أهنأ لديهم، حيث أسقط به ثقل المنة. وليعلمهم كيف يحمدونه، وها هو ذا سيد الحامدين محمد صلى الله عليه وسلم يعترف بعجزه عن حمد ربه فيقول: (لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ) ولذلك اخترت أن أعيش معكم اليوم في رحاب الحمد.
الحمد في كلام العرب معناه الثناء الكامل، والألف واللام لاستغراق الجنس من المحامد فهو سبحانه يستحق الحمد بأجمعه إذ له الأسماء الحسنى والصفات العلا. والفارق بين الحمد والشكر أن الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان، والشكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان. وعليه فالحمد أعم من الشكر.
وحين نتجول مع الحمد في رحاب القرآن الكريم نجد أن الله عز وجل حمد نفسه وعلمنا أنه المستحق للحمد لذاته، فهو الإله الواحد الأحد فقال: (هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[ غافر65]. وكما أنه المستحق للحمد لألوهيته، فهو المستحق للحمد على ربوبيته، فهو الذي خلق السماوات والأرض ومن فيهن، وهيأ الكون لعمار الإنسان، وسخر له سبل الهداية والرشاد فقال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ، وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام1]. وهو المستحق للحمدلأنه هو الذي أنزل علينا القرآن نورا وهداية للبشرية فقال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا) [الكهف1].
وأول ما نطق به آدم عليه كلمة "الحمد لله"، روى الترمذي بإسناد صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ بِإِذْنِهِ ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا آدَمُ ، اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ الْمَلائِكَةِ ، إِلَى مَلإٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ ، فَقُلْ : السَّلامُ عَلَيْكُمْ ، قَالُوا : وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ : إِنَّ هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ بَيْنَهُمْ).
وبحمد الله نطق الأنبياء والرسل الكرام : قال تعالى عن نوح عليه السلام : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [المؤمنون28]. وعن إبراهيم عليه السلام : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) [إبراهيم39]. وعن داود وسليمان عليهما السلام : (وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) [النمل15]. وقالها سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) [الإسراء111]. والآيات في ذلك كثيرة .
الحمد لله شعار أهل الجنة، فأهل الجنة إذا دخلوها حمدوا الله تعالى على ما تفضل به عليهم من الهداية في الدنيا ، وما جزاهم عليه في الآخرة من دخولهم الجنة وفوزهم بالرضا والنعيم، قال تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ، وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [الزمر 73 - 74]. وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [يونس9، 10].
يوم القيامة : يبدأ ذلك اليوم بالحمد ويختم بالحمد، قال الله تبارك وتعالى عن بداية بعث الخلق للحساب: (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلاً)[ الإسراء52] فتستجيبون بحمده أي تستجيبون للنداء لأنه هو المستحق للحمد، وقال البعض تستجيبون وأنتم تحمدون الله على البعث، وقال سبحانه بعد فصل القضاء ودخول أهل الجنة الجنة ، ودخول أهل النار النار: (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الزمر75].
والحمد لله لها فضائل عظيمة لا يأتي عليها الحصر ، ويكفي أن الحمد لله تملأ الميزان يوم القيامة ، كما أنها تملأ ما بين السماوت والأرض ، فأي حسنة تأتي بهذا الفضل العظيم، روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ. وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ».
بالحمد ينال العبد الحسنات، روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِىِّ قَالَ: كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّى وَرَاءَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: « سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ » . قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: « مَنِ الْمُتَكَلِّمُ » . قَالَ: أَنَا . قَالَ: «رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا ، أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ» .
وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ الْكَلَامِ أَرْبَعًا: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عِشْرِينَ حَسَنَةً أَوْ حَطَّ عَنْهُ عِشْرِينَ سَيِّئَةً، وَمَنْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ فَمِثْلُ ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمِثْلُ ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كُتِبَتْ لَهُ ثَلَاثُونَ حَسَنَةً وَحُطَّ عَنْهُ ثَلَاثُونَ سَيِّئَةً). أي من قال "الحمد لله رب العالمين" بهذا اللفظ بتمامه من تلقاء نفسه ، أي دون أن يذكره أحد أو يأمره أحد بها ، صار له ذلك الثواب.
وبالحمد ينال العبد المغفرة: روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – قَالَ: « إِذَا قَالَ الإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » . فِيهِ إِشْعَار بِأَنَّ الْمَلَائِكَة تَقُول مَا يَقُول الْمَأْمُومُونَ.
والحمد من الأذكار التي وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى الطبراني بإسناد صحيح عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: (رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُحَرِّكُ شَفَتَيَّ، فَقَالَ:"مَا تَقُولُ يَا أَبَا أُمَامَةَ؟" قُلْتُ: أَذْكُرُ اللَّهَ، قَالَ:"أَفَلا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذِكْرِكَ اللَّهَ اللَّيْلَ مَعَ النَّهَارِ؟ تَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ مَا خَلَقَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ كُلِّ شَيْءٍ، وَتُسَبِّحُ اللَّهَ مِثْلَهُنَّ"، ثُمَّ قَالَ:"تُعَلِّمُهُنَّ عَقِبَكَ مِنْ بَعْدَكَ").
ومن الفضل العظيم للحمد ما رواه الإمام أحمد بإسناد حسن عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِى طَالِبٍ قَالَتْ: مَرَّ بِى ذَاتَ يَوْمٍ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى قَدْ كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ - أَوْ كَمَا قَالَتْ - فَمُرْنِى بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ وَأَنَا جَالِسَةٌ. قَالَ: « سَبِّحِى اللَّهَ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ فَإِنَّهَا تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ رَقَبَةٍ تُعْتِقِينَهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاحْمَدِى اللَّهَ مِائَةَ تَحْمِيدَةٍ فَإِنَّهَا تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ فَرَسٍ مُسْرَجَةٍ مُلْجَمَةٍ تَحْمِلِينَ عَلَيْهَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَبِّرِى اللَّهَ مِائَةَ تَكْبِيرَةٍ فَإِنَّهَا تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ بَدَنَةٍ مُقَلَّدَةٍ مُتَقَبَّلَةٍ، وَهَلِّلِى اللَّهَ مِائَةَ تَهْلِيلَةٍ - قَالَ ابْنُ خَلَفٍ أَحْسِبُهُ قَالَ - تَمْلأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلاَ يُرْفَعُ يَوْمَئِذٍ لأَحَدٍ عَمَلٌ إِلاَّ أَنْ يَأْتِىَ بِمِثْلِ مَا أَتَيْتِ بِهِ ».
أهل مجالس الحمد يباهي الله عز وجل بهم ملائكته، روى الإمام مسلم في صحيحه عن مُعَاوِيَةُ قال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: « مَا أَجْلَسَكُمْ؟ ». قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِسْلاَمِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا. قَالَ: « آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَاكَ ». قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَاكَ. قَالَ: « أَمَا إِنِّى لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِى جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِى بِكُمُ الْمَلاَئِكَةَ ».
وبالحمد ينال العبد رضا ربه تعالى : روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا».
ومن أعظم العطاء على الحمد أن يحمد عند البلاء، فالمعروف أن الحمد يكون عند استشعار النعم، ولكن حين يكون الحمد عند البلاء يكون الوضع مختلف، فهذا الإنسان رأى أن هذا البلاء نعمة فيه تكفير للسيئات ورفعة للدرجات، فالعطاء كذلك يكون مختلف، روى الترمذي بإسناد حسن عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلاَئِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِى؟. فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟. فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِى؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ. فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِى بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ ».
الحمد لله مع التسبيح والتكبير والتهليل من الباقيات الصالحات التي قال الله عز وجل عنها: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) [الكهف46]. بها تتساقط الذنوب، روى الترمذي بإسناد حسن عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِشَجَرَةٍ يَابِسَةِ الْوَرَقِ فَضَرَبَهَا بِعَصَاهُ فَتَنَاثَرَ الْوَرَقُ فَقَالَ: «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ لَتُسَاقِطُ مِنْ ذُنُوبِ الْعَبْدِ كَمَا تَسَاقَطَ وَرَقُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ».
وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « الَّذِينَ يَذْكُرُونَ مِنْ جَلاَلِ اللَّهِ مِنْ تَسْبِيحِهِ وَتَحْمِيدِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ يَتَعَاطَفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ لَهُنَّ دَوِىٌّ كَدَوِىِّ النَّحْلِ يُذَكِّرْنَ بِصَاحِبِهِنَّ أَلاَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ لاَ يَزَالَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ شَيْءٌ يُذَكِّرُ بِهِ ».
وروى الطبراني بإسناد صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:"خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:"خُذُوا جُنَّتَكُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ عَدُوٍّ حَضَرَ؟، فَقَالَ: خُذُوا جُنَّتَكُمْ مِنَ النَّارِ، قُولُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلا حَوْلَ، وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُسْتَقْدَمَاتٍ وَمُسْتَأْخَرَاتٍ وَمُنْجِيَاتِ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ".
الرئيسية 